غار ثور يحمل مكانة عظيمة في التاريخ الإسلامي، فهو رمز للإيمان والصمود والحماية الإلهية. يقع هذا الغار في التضاريس الوعرة لمكة المكرمة، ولعب دوراً محورياً خلال هجرة النبي محمد ﷺ وصاحبه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-. في هذا المقال، سنتعمق في تاريخ وأهمية غار ثور، ونتناول الأسئلة الشائعة.
غار ثور هو كهف صغير يقع في قمة جبل ثور جنوب مكة المكرمة. وعلى عكس غار حراء الذي يرتبط بأول نزول للوحي، فإن غار ثور يُعرف بدوره في حماية النبي ﷺ وصاحبه أبو بكر خلال هجرتهما إلى المدينة المنورة. ويرتفع الجبل 760 متراً عن سطح البحر، سهل أدناه وعر أعلاه، ذو مسالك صعبة المرتقى وعلى الرغم من ذلك تجد الحجّاج والعمّار والزوار يصعدونه؛ للاطلاع عليه ومشاهدته.
أصبح هذا الكهف ملاذاً للنبي وصاحبه لثلاثة أيام، حيث اختبؤوا من قريش التي كانت عازمة على القبض عليهم.
رحلة النبي إلى غار ثور جاءت في لحظة حرجة من التاريخ الإسلامي، وهي هجرته إلى المدينة المنورة. كانت قريش تخطط لاغتياله، وأمره الله -سبحانه وتعالى- بمغادرة مكة مع أبي بكر، اختار النبي غار ثور كملاذ استراتيجي للابتعاد عن ملاحقة قريش.
وصل رسول الله ﷺ إلى غار ثور ومعه صاحبه الوفي الأمين أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وقد سبق أبو بكر رسول الله إلى دخول الغار ليستبرئه، فلما اطمأن إلى سلامته من الهوام والحشرات، نادى الرسول ﷺ بالدخول ومكثا في ذلك الغار الموحش ثلاث ليال.
اختيار غار ثور كان خطوة ذكية، حيث يقع في اتجاه معاكس لطريق المدينة، مما ضلل مطاردي قريش
وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، وأمر عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما إذا أمسى في الغار. ولكن إذا غدا عبد الله في النهار وذهب في الليل فإن أثره سيظهر في الطريق، فيكون دليلاً على مكان رسول الله وأبي بكر، ولذلك أمر أبو بكر داعيه عامر بن فهيرة بأن يأتيه بالغنم ليلاً ليمحو الأثر ويسقيهما من اللبن، فأحكمت الخطة.
وقد أُصيبت قريش بالذعر الشديد عند علمهم بهجرة رسول الله ﷺ وخروجه من مكة، فطاردوه في كل مكان، ونصبوا له الكمائن، وتتبعوا آثاره وآثار صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه حتى وصلوا إلى محيط غار ثور. وفي مطاردة قريش محمداً لقتله وفي قصة الغار هذه نزل قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ} (الأنفال/3). بدأ الشك يساورهم بأن محمداً ﷺ وصاحبه قد لجآ إلى هذا الغار، فتشاوروا فيما بينهم متسائلين عن مكانه. كان هناك راعٍ قريب من الغار، فسألوه: "هل رأيت محمداً وأبا بكر؟ وهل تعرف أين ذهبا؟" فأجاب الراعي: "ربما يكونان بالغار... ولكنني لم أر أحداً يقصده". كان النبي ﷺ وأبو بكر داخل الغار، وسمعا حديث المشركين ووقع أقدامهم وهم يقتربون، في تلك اللحظة، انتاب الخوف أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- حتى سال عرقه من شدة القلق، وقال: "يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا!" لكن النبي ﷺ بث في نفسه الطمأنينة قائلاً: "يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن، إن الله معنا". اقترب أحد المشركين من الغار، ودار حوله، ثم أمعن النظر داخله، لكنه سرعان ما عاد إلى أصحابه، فسألوه: "ماذا رأيت في الغار؟" فأجاب: "رأيت شبكة عنكبوت تغطي مدخل الغار منذ زمن بعيد، وحمامتين وحشيتين تجثوان عند بابه، فعلمت أنه لا يوجد فيه أحد." بهذا ظن المشركون أن الغار مهجور، فعادوا خائبين بعدما أوصدت عليهم أبواب الأمل في العثور على النبي ﷺ وصاحبه.
قال تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة/40)
غار ثور وغار حراء يخلط بينهما الكثير، لكنهما يحكيان قصصا مختلفة في التاريخ الإسلامي:
يمتاز جبل ثور بسمات فريدة تجعله مختلفاً عن جبل حراء، إذ أن قمته لا تنتهي عندها الرحلة، بل تقودك إلى سفح جبل آخر. يبدو وكأن الصاعد إلى غار ثور يتسلق جبلين بدلًا من واحد، مما يجعل الجهد المبذول مضاعفاً مقارنة بالصعود إلى غار حراء.
ما إن تقع عيناك على غار ثور لأول مرة حتى تشعر برهبة غريبة وإحساس لا يوصف. الغار عبارة عن قبة ضخمة من الصخر، مجوفة من الداخل، ويتسع لأكثر من ثلاثين شخصاً. مدخله ضيق للغاية، بحيث لا يمكن دخوله إلا زحفاً على اليدين والركبتين، وسقفه منخفض جداً لا يتجاوز ارتفاعه متراً ونصف.
أما أمام مدخل الغار، فتوجد فتحة واسعة تبلغ ضعف حجم الباب.
ويقف الغار شامخاً في الجهة الشمالية أعلى جبل ثور المعروف باسم "جبل أكحل" جنوب مكة في سهل وادي المفجر، ويفصله عن باقي جبال مكة فجّ المفجر والطريق الدائري القادم من الطائف والمشاعر إلى جدة، بجواره حي اسمه الهجرة.
اسم “ثور” يأتي من الجبل الذي يقع عليه الغار: جبل ثور. تشير بعض الروايات إلى أن الجبل سمي بهذا الاسم نسبة إلى رجل من المنطقة يدعى ثور بن عبد مناف. وهناك من يقول إن الاسم مستوحى من شكل الجبل الذي يشبه الثور.
الأحداث في غار ثور تعد من المعجزات البارزة في التاريخ الإسلامي. نسج العنكبوت لشبكته ووضع الحمامتين عشهما على مدخل الغار أقنع قريشا بأن الغار مهجور، مما أنقذ النبي وصاحبه من القبض عليهما.
درس آخر يكمن في هدوء النبي عندما عبّر أبو بكر عن خوفه من أن يجدهم قريش، طمأنه النبي قائلاً: "لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا." هذا الإيمان العميق بالله ألهم أبو بكر وظل درساً للمسلمين في كل زمان.
عدة أشخاص لعبوا أدواراً مهمة خلال إقامة النبي في الغار:
غار ثور ليس مجرد كهف؛ بل هو شهادة على قوة الإيمان والحماية الإلهية والثقة الراسخة بالله. قصته لا تزال تلهم الملايين من المسلمين حول العالم، وتذكرهم بصمود النبي محمد ﷺ وأبو بكر خلال أحد أهم لحظات الإسلام. عبر استكشاف هذا الموقع المقدس، يمكننا اكتساب دروس تاريخية وروحية تلامس أجيالًا.
وبقي حصن غار ثور في ذاكرة التاريخ الإسلامي يحكي قصة ثاني اثنين إذ هما في الغار وكان عوناً بعد عناية الله -عز وجل- في حماية رسول الله ﷺ والصحابي الجليل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- من كفار مكة.
مع دليل تطبيق مزار الصوتي متعدد اللغات وميزات التخطيط السهلة، يصبح اكتشاف مواقع مثل غار ثور تجربة سهلة وغنية. ابدأ رحلتك اليوم واكتشف القصص التي تشكل إيمانك.
